هذه المقالة تعتبر تكملة لقصة الرخصة الأردنية، و لكن نظراً لطول القصة، قلنا نشارككم فيها على جزئين.
نكمل، نفس ما ذكرنا في قصة الرخصة الأردنية، بدأت الحفلة الكبرى عند سؤال موظفة خدمة العملاء: وين دفتر خدمة العَلَم (الخدمة الوطنية – الجيش)؟
فأنا بكل براءة بقولها: ما عندي! أنا مش عايش في الأردن! كان ردها بكل ثقة: كل مواطن أردني فوق الـ 18 سنة لازم يكون عنده دفتر خدمة علم.
بسيطة، من وين بجيبوه؟ كيف بقدّم عليه؟ من مكان اسمه: التعبئة (الثكنة)، تابع للجيش الأردني.
صحيت ثاني يوم الصبح، أخذت بطاقة الهوية، و صور شخصية، و ركبت التاكسي، و قلتله: على التعبئة لو سمحت، وصلت لهناك، المكان كان يا وادي السير يا سقف السيل، مش متذكر أي وحدة منهم بصراحة، بس نزلت قالي سائق التاكسي: أستناك؟ قلتله لأ، لأني ما بعرف متى بخلص! تطلع فيني و ابستم ابتسامة الخديعة، و قالي: بالتوفيق عمّو.
دخلت على التعبئة، لاقاني عسكري لا أنسى إسمه: أحمد العدوان.
أحمد العدوان: شو عندك؟
أسامة: جيت بطبع الرخصة، قالولي لازم يكون عندي دفتر علم، و جيت أقدم على واحد.
أحمد العدوان: شاف الاسم و الهوية، و قالي: الوالدة من وين؟
أسامة: أردنية.
أحمد العدوان: الأصل.
أسامة: فلسطينية لبنان، و عندها جواز أردني من لما تزوجها الوالد.
أحمد العدوان: لازم تروح على المتابعة و التفتيش.
أسامة: شو هذا؟
أحمد العدوان: إنت وين عايش يا عمّو؟
أسامة: في أبوظبي.
أحمد العدوان: خلص روح مع أي تاكسي و قوله يوصلك على المتابعة و التفتيش، و خذ معاك هذول الأوراق.
أسامة: تمام، على خير إن شاء الله، شكراً، مع السلامة.
طلعت من مقر التعبئة، و وقفت أدوّر تاكسي، و كما قال المثل: يا طالب الدّبس 😁😁، وقتها عرفت ليش سائق التاكسي ابتسم لما قلتله ما في داعي تنتظرني، المنطقة مقطوعة، الجو حر، ما في ولا أي بني آدم في الشارع، المنطقة كلها أصلاً منخفضة عن المدينة، أمشي، أمشي، و أمشي، في شهر 8 الحمدلله، لغاية ما دخلت على حارات سكنية و لقيت تاكسي، و ريحتي طلعت، و كلّي عرق، قصدي كلّي فخر بالمسافة المقطوعة 😎☀.
وين رايح؟ إذهبوا بنا إلى دائرة المتابعة و التفتيش.
أنا بس حبيت أذكركم في الفقرة إللي قلتلكم إياها في الجزء الأول من القصة عن صيف 2004:
الأحداث كانت في صيف 2004، أول صيف براجع فيه دوائر حكومية في الأردن، من الأحوال المدنية، المرور و الترخيص، الجيش و التعبئة، الأراضي، المتابعة و التفتيش، و المحاكم! فكان فيه كمية استكشاف رهيبة في الوطن، إللي أنا أصلاً لا أفقه فيه كثيراً، لغاية اليوم، سوى أنه: ليس مكاني.
وصلت دائرة المتابعة و التفتيش، دخلت، أعطيتهم الأوراق، الضابط سألني سؤال لأول مرة بنسأله في حياتي: الوالدة كرت أصفر ولا كرت أخضر؟
و كالعادة، أسامة يجاوب بسرعة بدون بديهة: و إن شاء الله كرت أحمر شو فارقة معاك!
الضابط بكرر السؤال: الوالدة كرت أصفر ولا كرت أخضر؟
و أسامة يرد بسرعة و ببديهة هذه المرة: قلتلك و إن شاء الله كرت أحمر شو فارقة معاك!
بدأ الشرطي يقولي: إنت جاي تتخوّث علينا (تستعبط علينا)، وين مفكر حالك؟ جاوب على قد السؤال! بسألك كرت أصفر ولا كرت أخضر بتجاوب.
أسامة يرد بعنجهية و قرف: تضربوا إنتوا و معاملتكم، و أخذت الورقة و مزعتها قدامه، و قلتله بلاها لهالرخصة كلها!
سحبت حالي و طلعت من الدائرة، لحقني زلمة كبير في العمر يهدّيني و يصبّرني و يقولي يا عمّو شوي شوي بتحل الموضوع و هذول ضباط شرطة و أمن عام و ما بصير هيك، و أنا طبعاً من و أنا و صغير دايماً محافظ على جوابين، واحد منهم: و خير؟ أنا أسامة بن زيد!
قالي الزلمة: شو موضوعك يا عمّو؟ قلتله إللي صار، برد عليّ – بكل برودة دم – و بقولي: طيب يا عمّو عادي شو المشكلة الضابط بسألك الوالدة عندها كرت أصفر ولا كرت أخضر شو المشكلة؟
أنا هنا أخذت وضعية “توني” في فيلم “صعيدي في الجامعة الأمريكية” إللي كان كل شوي “خلف الدهشوري خلف” محمد هنيدي يسأله: What’s Your Name؟، لغاية ما فقع في آخر الفيلم و قاله:
المهم، الخلاصة، إن طلع الفلسطينيين في الأردن عندهم كرت أصفر و كرت أخضر، إللي هو بسمحلهم يدخلوا فلسطين! كانت أول مرة بعرف هذه المعلومة! و أنا والدتي – الله يطوّل بعمرها – ما بتروح أصلاً على فلسطين!
تمام، تمام أسامة، إهدى شوي، و استعد تعيد الخطوات من أولها، بسيطة، أنتَ تستطيع، تقدم إلى الأمام، و تجنّب الحمير.
صحيت ثاني يوم الصبح، الحمدلله الذي أحيانا بعدما أماتنا و إليه النشور، غسلّت، لبست، أخذت أوراقي، طلعت، وقفّت تاكسي، السلام عليكم و عليكم السلام، لوين؟ للتعبئة، بس ركّز معاي، ورانا مشوار للتعبئة، بعدين للمتابعة و التفتيش، بعدين للتعبئة، بعدين للنادي الملكي للسيارات، بعدين رجعنا هنا، و بتنتظرني في كل مكان، و العداد شغال، موافق؟ موافق، عندك أي ملاحظة من الحين؟ مش في نص الطريق تقولي وراي مشوار ولا تأخرت ولا ولا ولا! تمام؟ تمام.
وصلنا للتعبئة، شافني نفس الموظف، أحمد العدوان، يسألني خلصت المعاملة؟ قلتله: لا أعطيني الأوراق من أول و جديد هيك هيك صار معاي! قالي إنت ما قلتلي إن الوالدة ما بتروح فلسطين، قلتلته إنت ما سألت، قالي مش مشكلة صار لازم تخلص المعاملة الحين، تمام، أخذت الأوراق، رحت على المتابعة و التفتيش، أعطيتهم الأوراق، الوالدة كرت أصفر ولا كرت أخضر؟ قلتله لا هذا ولا ذاك، الوالدة ما بتروح على فلسطين بتاتاً، تمام؟ تمام، خلصنا، رجعنا على التعبئة، أخذنا دفتر خدمة العلم، رحنا على النادي الملكي للسيارات، أعطيتهم الأوراق و دفتر خدمة العلم و دفعت الرسوم و أعطونا الرخصة.
من المواقف الغبية أثناء طباعة الرخصة، الموظفة سألتني شو فصيلة دمّك؟ عشان يكتبوها على الرخصة: قلتلها: O، طبعاً أنا كيف عرفت إنها O؟ لأن اسمي Osama، ففصيلة دمي O، و لما سألتي Positive ولا Negative، قلتلها أنا شخص إيجابي، غيرتها في 2024 لما رحت أجدد الرخصة!
بعدين في أبوظبي اكتشفت إن فصيلة دمي هي A+، لأن كان لازم ورقة مختبر لإثبات فصيلة الدم، مش عنتريات و هبد من عندي 😁.
طوال جميع الرحلات المذكورة أعلاه، سائق التاكسي ما فتح ولا سالفة ولا نقاش ولا سؤال، متى خطر على باله يبدأ يتعرف؟ في آخر رحلة، إللي هي من النادي الملكي للسيارات للبيت، و بدأ:
سائق التاكسي: إنت أردني؟
أسامة: ههههههههههههههههه يعني بالله عليك لو إني مش أردني شو بروح أسوي في التعبئة و المتابعة و التفتيش و هذه الأماكن؟
سائق التاكسي: آه صح والله، بس شكلك خليجي! من وين إنت؟
أسامة: أردني.
سائق التاكسي: مستحيل، مش شبهنا 🤦♂️
أسامة: والله أردني.
سائق التاكسي: من وين؟
أسامة: من الكرك.
سائق التاكسي: و كركي كمان؟ من وين من الكرك؟
أسامة: حباشنة، عشيرة الحباشنة، بوند، جيمس بوند.
سائق التاكسي: دح بريك، قوي، قوي جداً، لدرجة إن وقفت السيارة في نص الشارع، و قالي: بتتخوّث عليّ؟ (شو مالكم يا جماعة الخير كل ما قلت كلمة و جاوبت بتقولولي: بتتخوّث عليّ؟ أنا أصلاً مش طايقكم عشان أقعد أتمسخر عليكم ولا أنكّت معاكم)
أسامة: هو أصلاً أنا بعرفك عشان أتخوّث عليك؟
سائق التاكسي: لا والله بس فكرتك قرأت اللوحة التعريفية تبعت التاكسي و شفت إسمي حباشنة و قلت تتخوّث عليّ!
— لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني من كل تكاسي عمّان، ما طلعي حظي إلا مع واحد من نفس العشيرة! —
أسامة: أهلاً و سهلاً
سائق التاكسي: و الآآآآآآآآن مع السؤال الشهير: إبن لَمِن إنت؟
أسامة: زيد محمود الحباشنة.
سائق التاكسي: آآآآآه هاظا إللي بالخليج؟ إنت إللي جدتك هلالة الرماضين؟ (الله يرحمها).
أسامة: أيوا أنا هو.
سائق التاكسي: أهلاً أهلاً.
— و بعد فقرة التسليم و الترحيب و و و و و و و، مش عارف شو خطر على باله لسائق التاكسي يقول: —
سائق التاكسي: جدتك صار عندها تلفون خَلَوي (موبايل).
أسامة: الحمدلله.
سائق التاكسي: هظاك اليوم كنا في عزاء و سلّمت عليها و اتصل عليها عمّك فلان عشان يوخذها من العزاء و يرجّعها على البيت.
أسامة: الحمدلله.
سائق التاكسي: و بتستخدمه و مخزنة عليه رقم عمّك فلان و فلان عشان تتصل عليهم لو كانت عند ناس.
أسامة: عن جد والله، و إنت كيف عرفت؟
سائق التاكسي: لا ما أنا سألتها و قلتلها شو يا أم عبدالقادر صرنا نحمل خَلَويّات.
أسامة: الحمدلله.
— وصلت للبيت، و جيت بدفع حساب العداد —
سائق التاكسي: لا والله ما بتدفع خلّي علينا!
أسامة: لا بالعكس هذا حقك و متفقين عليه.
سائق التاكسي: لا والله غير تتفضل معانا على الغداء.
أسامة: لا تفضل إنت معانا هينا وصلنا البيت.
سائق التاكسي: لا والله ما بصير إنت ضيف عندنا و لازم تتغدى عنا و ما بصير نوخذ منك حساب العداد.
— طلّعت الفلوس و حطيتهم بإيده و قلتله: —
أسامة: يا عمّو أنا جدتي شالت تلفون بالكرك و إنت قاعد بتسولف بالسالفة في عمّان، بكرا تقعد تقول طلع معاي أسامة بن زيد و ما دفع الحساب؟ تفضل تفضل 🤣🤣
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
و الحمدلله إنتهينا من سرد قصة الليسن الإماراتي، و الرخصة الأردنية، و دفتر خدمة العلم.
بعيداً عن الموضوع: من فترة قريبة رحت أزور نسايبي في المفرق (شمال الأردن)، و نحن سكّان عمّان (وسط الأردن)، و أصلنا من الكرك (جنوب الأردن)، وقّفت عند بيّاعين الفواكه و الخضار إللي على جنب الطريق، بسأله عن سعر شغلة، بقولي إنت سعودي؟ لا أردني لا مش أردني لا مستحيل أردني ياخي أردني خلصني ياخي من وين من الأردن أنا كركي من الحباشنة، تطلع فيني البياع قالي أنا كمان من الحباشنة، و بلّش يسألني بتعرف فلان و علاّن و و و و، ياخي أنا عيال و عمّي قاعد أتعرف عليهم من جديد! يعني من بين كل بيّاعين الفواكه و الخضار إللي بالطريق، يطلعلي واحد حباشنة تارك كل الأردن و فارش بضاعته على طريق المفرق؟
و على رأي واحد من عيال عمّي: نفسي أفهم يا أسامة من وين بطلعولك في الحياة، قولّي ما بزعل 😁
كل عام و أنتم بخير، عيد أضحى مبارك لكم و لأهلكم، نأمل أن تكونوا قد استمتعم معانا في ثُلاثية القيادة.
المهم، الصورة التالية ليس لها أي علاقة في المقال، و لكنني سعيدٌ بها! (تصوير: أسامة حباشنة).

اترك رداً على عابر الازمان إلغاء الرد